رئيسيعام

إيران…”خسارة معركة وانتصار في الحرب”

نشر معهد”بروكينغر” تقريراً للمحلل رانج علاء الدين، تناول فيه تداعيات اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده، في ضوء المخاوف من اندلاع نزاع كبير قبل تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن.

واعتبر”علاء الدين” أن طهران لا تزال في وضع”قوي لالتقاط قطعها المتبعثرة، بينما تشق إدارة ترامب طريقها للخروج من البيت الأبيض”.

أثار اغتيال محسن فخري زاده، مهندس البرنامج النووي الإيراني، شبح صراع كبير في الفترة التي سبقت تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن في كانون الثاني المقبل، حيث تتعرض إيران إلى ضغوط غير مسبوقة في الداخل”تواجه الانعكاسات الاقتصادية لحملة الضغط الأقصى لإدارة دونالد ترامب” وفي المنطقة”حيث تكافح طهران لحماية نفوذها في دول رئيسية مثل العراق وسوريا”.

وتعرضت إيران لموجة من الضربات الجوية مؤخراً بما في ذلك ما أشيع عن هجوم هذا الأسبوع يزعم أنه قتل قائداً كبيراً في فيلق القدس التابع ل”الحرس الثوري الإيراني” بالقرب من الحدود السورية العراقية، في العراق، كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على مجموعة من الشركات الإيرانية.

وأضاف  الكاتب أن إيران”ستنجو من هذه الأحداث، على الرغم من أن قادتها مقتنعون بأن الإدارة الأمريكية الحالية ترى أن الشهرين المقبلين هي فرصتها الأخيرة لتصفية سسلة من الحسابات القديمة مع إيران”.

معضلة إيران

 بينما تعتقد إيران أن الولايات المتحدة سعت إلى زوالها منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في عام 1979، إلا أن فكرة هجوم أميركي كبير على طهران أوعلى حلفائها باتت واضحة بشكل متزايد خلال العام الماضي.

يُنظر إلى اغتيال فخري زاده على أنه إشارة عن نوايا واشنطن، ويأتي بعد أيام فقط من اجتماع سرّي حصل في السعودية بين إسرائيل والسعودية وأميركا، كما أن هذه العملية أتت بعد 10 أيام من التقارير التي أشارت إلى أن ترامب كان على وشك مهاجمة إيران مباشرة قبل أن يبحث بدلاً من ذلك عن طرق لضرب القوات الإيرانية وحلفائها في أماكن أخرى، وتواجه القيادة في إيران معضلة خطيرة في بيئة غير مستقرة.

اعتمدت طهران تاريخياً على وجود القوات الأميركية في المنطقة لتعزيز قدراتها الرادعة، لكن إدارة ترامب أشارت إلى أنها قد تسحب قواتها من العراق وأفغانستان، وهذا من شأنه أن يقلل من قدرة إيران على ضرب القوات الأميركية، وبالتالي قدرتها على ردع أي هجوم، وفقاً لمصادر مقربة من القيادة العراقية، فإن عدداً من قادة الميليشيات في العراق، إلى جانب رعاتهم في طهران، مقتنعون بأن إدارة ترامب تبحث عن فرصة أخيرة لتصفية حساباتها مع إيران، وبأن هجوماً سيتحقق في الأيام المقبلة.

وأشارت هذه المصادر إلى أن بعض قادة الميليشيات “إما قد اختبؤوا فعلياً أو قللوا بشكل كبير من وجودهم العلني تحسباً لحملة (قطع رأس) محتملة تستهدف الجماعات المتحالفة مع إيران في المنطقة”.

يمكن لإيران أن تختار امتصاص الضربات أو تنفيذ ضربات انتقامية محدودة ورمزية في العراق، على سبيل المثال، قد يطلق وكلاؤها وابلاً من الصواريخ التي تسبب أضراراً محدودة.

والفكرة هي أن هذا قد يردع خصومها، لكن مثل هذه الخطوة تخاطر بتمهيد الطريق للولايات المتحدة وحلفائها لتصعيد ردهم، مع خلق تأثيرات من الدرجة الثانية يمكن أن تؤدي إلى اندلاع حريق داخل العراق.

وبدلاً من ذلك، يمكن لإيران أن تبدأ هجوماً استباقياً موسعاً ضد الولايات المتحدة أو حلفائها، ستسخر طهران شبكتها التي تعمل بالوكالة لشن سلسلة من الهجمات جنباً إلى جنب، ضد مجموعة من الأهداف الإقليمية، بما في ذلك دول الخليج العربية، وستكون هذه الخطوة كبيرة في حجمها على أمل درء هجوم أميركي كبير، لكنها قد تواجه ضربة مضادة كبيرة من الولايات المتحدة وحلفائها، وهو ما يمثل خطراً كبيراً على طهران، وقد يشعر النظام في طهران بأنه مدفوع نحو هذا الخيار إذا كانت هناك المزيد من الهجمات على إيران أو حلفائها في الأيام والأسابيع المقبلة، أو في حال حصول موجة من الاغتيالات البارزة.

الميزة الاستراتيجية

لكن ربما لا تزال إيران تمتلك الميزة الاستراتيجية أمام الولايات المتحدة وحلفائها بعض الخيارات الصعبة الخاصة بهم بصرف النظر عن التطلع إلى نسف التقارب بين الولايات المتحدة وإيران في ظل إدارة بايدن، ومن الصعب معرفة ما هي اللعبة النهائية التي تسعى إليها إدارة ترامب، ويمكن أن يضعف النظام الإيراني في الداخل وفي المنطقة، ويمكن أن تتدهور البنية التحتية لوكلائه في المنطقة، لكن يمكن لإيران الاعتماد على حقيقتين مهمتين.

أولاً، إن حلفاء الولايات المتحدة في الخليج، لا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ليس لديهم الرغبة في اندلاع حريق كبير هم في خط النار، وإن خصوم إيران ليس لديهم الجرأة للالتزام بجهد واسع النطاق لفرض سقوط النظام.

ثانيًا، تتمتع إيران بموقع فريد لإصلاح وإعادة بناء شبكاتها الإقليمية بالوكالة، ويتألف هذا من روابط معقدة ومتعددة الطبقات بين الأفراد وبين المنظمات، ويدعمها مجموعة متنوعة من مراكز القوة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، أنشأت إيران مؤسسات موازية متجذرة بعمق، وسط مؤسسات الدولة الضعيفة والبيئات الأمنية المتقلبة، ولقد أنشأت مجموعات ميليشيات قوية يمكنها التجمع حول قيم وأهداف مشتركة تربطها في نهاية المطاف الجمهورية الإسلامية.

لقد برعت إيران في تنفيذ شكل من أشكال صيغة الدولة الواحدة والنظامين للبلدان التي تمزقها الصراعات في المنطقة الدولة، على سبيل المثال في العراق، تبقى ضعيفة عمداً، ولا تسعى طهران إلى إعادة بناء المؤسسات وفقاً لقواعد ومبادئ بناء الدولة التقليدية بالنسبة للغرب، على سبيل المثال، قد يعني إصلاح قطاع الأمن إعادة بناء الجيوش الوطنية التقليدية التي تلتزم بالمعايير والقوانين الدولية، وعلى النقيض من ذلك تختار إيران نهجاً يتمحور حول مجموعة من الجهات الفاعلة المسلحة من غير الدول، وليس لديها ميل لمواءمة هذا النهج مع المعايير والقوانين الدولية أو تشجيع حلفائها على احترام حقوق الإنسان.

تؤسس إيران شبكات ومؤسسات موازية للمؤسسات الوطنية، مما يبقيها ضعيفة، وهذا يفتح المجال إلى إيران لإخضاع الهياكل الحاكمة والأنظمة السياسية على وجه التحديد، تنشئ إيران أو تتعاون مع الميليشيات والسلطات غير الرسمية، مما يسمح لها بسد واستغلال الفجوات التي تظهر في الدول الهشة العقيدة الشيعية وهي حلقة الوصل الرئيسية: تبني إيران شبكات اجتماعية ودينية تركز على العقيدة الشيعية ودعم الثيوقراطية الإيرانية.

استغلال الصراع والاضطراب

إن إيران لا تدعم أو تنشر وكلاء كما تفعل الدول الأخرى بشكل انتهازي، فخصومها مثل الولايات المتحدة، تتجاهل الميليشيات وتتخلى عن دعمها إذا لزم الأمر، أما طهران لا مثيل لها في اختراع الوكلاء، وإيران لديها قدرة ملحوظة على استغلال الانقسامات بين الحركات المحلية التي تتحدى مصالحها، على سبيل المثال، نشأت عصائب “أهل الحق”، إحدى أقوى الميليشيات الشيعية في العراق، من حركة الميليشيات الصدرية بقيادة مقتدى الصدر، وهي الحركة التي عارضت تاريخياً توسع إيران، وبالمثل في كردستان العراق، بعد استفتاء الاستقلال الكردي عام 2017، قسمت إيران القيادة الكردية وحشدت وكلائها في كركوك ضد البشمركة الكردية.

تمنح إيران الجماعات المال والسلاح والرعاية وفي الأماكن التي قد لا يكون هناك تحالف أيديولوجي واضح، فإن الورقة الأخرى لإيران هي سجلها المثير للإعجاب في تحويل شركائها إلى قوى سياسية هائلة.

يزدهر شركاء إيران حقاً، في حين تعرض حلفاء الولايات المتحدة للهزيمة والإخضاع والإذلال بشكل متكرر من قبل وكلاء إيران، وخسرت الجماعات “السنية” العربية المدعومة من الولايات المتحدة في كل من سوريا والعراق كل صراع سياسي وعسكري كبير، وهُزم حلفاء الولايات المتحدة القدامى الأكراد، في تشرين الأول 2017 على يد وكلاء إيران في مدينة كركوك العراقية، حتى مع تمركز القوات الأميركية في المدينة.

إذا كان هدف إدارة ترامب هو زعزعة استقرار إيران وإحداث صدوع في دروعها، فإن هذا النهج أحادي البعد يتجاهل حقيقة أن إيران ماهرة بشكل استثنائي في إصلاح، وعند الضرورة، إعادة بناء بنيتها التحتية الأمنية ومع ذلك، فإن الجهود المتضافرة من جانب الإدارة المنتهية ولايتها وإسرائيل لإحداث أكبر عدد ممكن من الخدوش في البنية التحتية الأمنية الإقليمية والمحلية لإيران في الفترة التي تسبق 20 من كانون الثاني يمكن أن تخلق بشكل فعال حالة جديدة خلال الأعوام الأربعة القادمة.

المنطق الكامن وراء ذلك سيكون ذا شقين: ضمان أن إيران لا تملك الرفاهية أو مساحة التنفس لاستعادة قدراتها، وتعقيد عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، حيث تعتمد إيران على تقديرات مبالغ فيها لقوتها العسكرية وسحر أو هالة لا تقهر يحيط ببعض وكلائها، لكنها تتضاءل مع كل عملية اغتيال، مع تداعيات خطيرة على السلطة والتأثير الذي يمكن أن تمارسه على وكلائها في البلدان المجاورة مثل سوريا والعراق، والتي تعتبر ضرورية لأمنها على المدى الطويل.

في أسوأ الأحوال، يتعين على إيران أن تتعامل مع احتمال أن يتمكن خصومها من قطع رأس مجموعة الأفراد الذين يعتبرون أساسيين في برنامجها النووي وفيلقها الأجنبي من الوكلاء، وسوف يفعلون ذلك، لكن القادة في طهران سيشعرون بالارتياح عندما يعلمون أن خصومها سيكافحون وسيعانون من أجل القضاء على المؤسسات والشبكات التي تدعم الأمن القومي الإيراني، سواء في الداخل أو في المنطقة.

معهد بروكينغر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى