رئيسيعام

تحالف ما بعد بريكست.. ماذا تعني اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا وبريطانيا؟

بعد أيام من توصل الاتحاد الأوروبي وبريطانيا إلى اتفاق تجاري لمرحلة ما بعد “بريكست”، عقب محاولات عديدة سابقة انتهت بالجمود، تفتح الأخيرة صفحة جديدة في علاقاتها التجارية والاقتصادية بعيداً عن التكتل الأوروبي ومواقفه.

أولى وجهات بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد كانت تركيا، إذ توقع الدولتان، الثلاثاء، اتفاقاً تجارياً حراً يهدف إلى زيادة العلاقات التجارية بناء على مبدأ الربح المتبادل، في أهم اتفاقية لأنقرة بعد اتفاقية الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي.

أهمية هذه الاتفاقية، التي تأتي لتعزيز العلاقات بين البلدين الحليفين في حلف الناتو، تكمن في سياقها السياسي، إذ يتخذ البلدان المسافة ذاتها من الاتحاد الأوروبي، كما تعكس الاتفاقية متانة العلاقات بين لندن وأنقرة التي اتسمت بالاتزان من الطرفين رغم الضغوط الأوروبية.

من أجل تجارة تفضيلية

يبلغ حجم المبادلات التجارية بين الطرفين 16.3 مليار دولار مع السعي لرفعها إلى20 مليار دولار  خلال العام المقبل، وتعدّ بريطانيا ثاني شريك تجاري أوروبي لتركيا بعد ألمانيا.

بينما يبلغ حجم الاستثمارات البريطانية المباشرة في تركيا نحو 10 مليارات دولار، وتعمل في البلاد 2500 شركة بريطانية في مجالات مختلفة أهمها الطاقة والاتصالات والقطاع المالي.

تشكل الاتفاقية بين تركيا وبريطانيا نقطة تحول جديدة للبلدين، وذلك عبر إكساب العلاقات الاقتصادية والتجارية آليات وأبعاداً جديدة، بعد خروج لندن من الاتحاد الأوروبي.

عثمان أوقياي، رئيس مجلس العمل التركي- الإنجليزي بلجنة العلاقات الاقتصادية الخارجية، يقول إن ميزان التجارة الخارجية بين البلدين يميل لمصلحة تركيا منذ 2001.

اعتبر أوقياي في حديث له في شهر أكتوبر/تشرين الأول أن “المهم هو الانتقال إلى نظام التجارة التفضيلية مع بريطانيا.. علاقتنا معهم كانت حتى “بريكست” تسير وفقاً لقواعد الاتحاد الأوروبي”، في إشارة إلى تأسيس قواعد ومعايير جديدة للعلاقات بين البلدين.

المسؤول التركي أوضح أن 98٪ من التجارة بين تركيا وبريطانيا معفاة من الجمارك حالياً، وأكد أن “توقيع اتفاقية تجارة حرة مع المملكة المتحدة، بالتزامن مع توقيعها اتفاقاً مع الاتحاد الأوروبي واستمرار التجارة بين أنقرة ولندن دون انقطاع، شرط مهم للوصول إلى هدف التبادل التجاري بين البلدين وهو 20 مليار دولار حتى 2021”.

وسيسهم الاتفاق التجاري في مضاعفة إمكانيات الاستثمار والتوظيف، “نحو 3 آلاف شركة خاصة بريطانية تعمل في تركيا، ولندن تحتل المرتبة الثالثة في قائمة الدول المستثمرة في تركيا”.

وأكد أوقياي أن حكومتي البلدين عازمتان على مواصلة الجهود لتأسيس نظام تجارة تفضيلية جديداً، وأن المباحثات بين الجانبين تسير في مناخ إيجابي، مضيفاً أن “أولوية الجانبين هي المحافظة على الوضع القائم حالياً، ثم تطوير العلاقات باتفاقية تتخطى ما هو أكثر من الامتيازات التي يضمنها الاتحاد الجمركي”.

خندق واحد

التوصل إلى اتفاقية بين تركيا وبريطانيا يعكس الالتقاء الموضوعي بين أنقرة ولندن في نسج علاقات متشابكة مع الاتحاد الأوروبي، أو ما يمكن تسميته بالخندق الواحد أمام أوروبا.

فبريطانيا، ومنذ عقود، غير راضية عن وجودها داخل الاتحاد الأوروبي، وترى أن الأخير ينهك اقتصادها، أما تركيا فهي تعيش توترات دائمة مع التكتل الأوروبي الذي يبني علاقاته الاقتصادية على أساس السياسة في كثير الأحيان.

هذه العلاقة المرتبكة مع الاتحاد الأوروبي دفعت تركيا إلى إعلان تحررها منه أكثر ما يمكن، والتوجه نحو شراكات جديدة قوية مثل الصين، أما المملكة المتحدة فقررت الانسحاب منه في خطوة جديدة لنسج علاقات متحررة من التكتل كذلك.

وهنا تلتئم مصالح البلدين، إذ بات كلاهما يبحث عن مصالحه خارج الاتحاد، ويسعى لتعزيز موقعه دون الحاجة إلى الوجود داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي.

ولطالما كانت بريطانيا من الدول الأوروبية المؤيدة لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، ولم يسبق أن سجلت رفضها لهذه الخطوة، على عكس دول أوروبية أخرى لا تدخر جهداً في إعلان المعارضة لدخول تركيا النادي الأوروبي.

وكانت سنة 2016 فارقة أيضاً في تاريخ المملكة المتحدة، بعد التصويت على استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي، ورغم دخول البلاد في متاهات كثيرة حول صيغة الطلاق الأوروبي، فإن هذا التغيير ساهم في بحث بريطانيا عن شركاء جدد.

والمملكة المتحدة التي تريد زيادة أصدقائها، انتهجت مع تركيا منذ سنوات مبدأ “حسن التعامل مع أنقرة وعدم التدخل في شؤونها”.

ولعل هذا سبب غضب دول أوروبية حاولت الضغط من خلال مراكز الأبحاث لدفع لندن إلى إعلان مواقف تصعيدية مع أنقرة، كما حدث في الأزمة الأخيرة في شرق البحر المتوسط بين تركيا واليونان، حيث ابتعدت بريطانيا عن اللهجة التصعيدية التي اعتمدتها الدول الأوروبية، وحافظت على مسافة من هذا الصراع.

وفي سنة 2020 استقبلت العاصمة البريطانية لندن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في زيارة رسمية، أعقبتها زيارة أخرى لوزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو.

علاقات متينة

شكل الانقلاب الفاشل في تركيا سنة 2016 حدثاً مهماً مكنها من معرفة أصدقائها وأعدائها، وهو ما انفك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أكثر من مناسبة يذكر به، ومن هذه الدول التي تعتبرها أنقرة صديقة هي المملكة المتحدة التي كانت أول دولة أوروبية تعلن إدانتها للمحاولة الانقلابية، وتعدها انقلاباً على الشرعية.

ولم تنتظر الحكومة البريطانية، مثل دول أخرى، انتهاء المواجهات في ليلة الانقلاب لتحدد موقفها، بل أعلنت مباشرة أنها تقف ضده، وهو ما ساهم في توثيق التعاون مع تركيا، ولم يتم تسجيل أي مواجهة دبلوماسية بين البلدين منذ تلك الأزمة، رغم توالي الأحداث التي هزت الثقة في العلاقات الأوروبية التركية.

انعكس هذا الموقف مباشرة على العلاقات بين البلدين، ففي عام 2017 عقدت تركيا وبريطانيا صفقة دفاع بقيمة 120 مليون دولار، للمساهمة في برنامج تطوير طائرات حربية تركية، عبر اتفاق
بين شركتي “BAE Systems” و”Turkish Aerospace Industries”.

كما عكست أزمة كورونا متانة هذه العلاقات، فكانت عبارة “شكراً ًللصديق التركي” التي صدرت عن الدبلوماسية البريطانية خلال الوباء، معبرة عن التعاون بين البلدين.

ومرد هذا الشكر هو قرار تركيا توجيه شحنة ضخمة من المعدات الطبية إلى المملكة المتحدة، التي كانت حينها تواجه نقصاً حاداً في المعدات الطبية.

وكان للطائرات التركية التي وصلت إلى بريطانيا أثر إيجابي على صعيد الإعلام البريطاني الذي اعتبر السلوك التركي سلوكاً محترماً، في وقت كانت الدول الأوروبية تتنافس وتتنازع للحصول على أكبر قدر من المعدات الطبية.

مختارات-TRT

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى