رئيسيعام

خطوة تركيا المقبلة ضد”قسد”.. تصعيد مفتوح أم “عمل جراحي”سريع؟

لم تهدأ المدافع والرشاشات خلال الأيام الماضية في محيط منطقة عمليات “نبع السلام” شرق الفرات، وسُجل بشكل يومي في الأسبوع الجاري عمليات قصف تركية نحو تحصينات ونقاط ارتكاز ميليشيات الحماية في مدينة “عين عيسى” وما حولها شمال الرقة.

الطائرات المسيرة التركية بدورها كثفت من طلعاتها الجوية، وشاركت  بشكل مباشر في عمليات رصد أنفاق ميليشيات الحماية التي تعدها للتسلل نحو “نبع السلام”، وإعطاء معلومات للقوات البرية للتعامل معها على الفور.

التصعيد العسكري ضد الميليشيات سبقه بيان من وزارة الدفاع التركية، أعلنت عبره عن نيتها القضاء على جميع الإرهابيين في شمال سوريا، سواء كانوا ضِمن ميليشيات الحماية أو “تنظيم الدولة”، وحمل البيان طابعاً تصعيدياً، إذ شدد على أن الجيش التركي سيدفن العناصر الإرهابية في الحفر التي حفرتها.

وتعد “عين عيسى” التي ينصبّ قصف الجيشين الوطني السوري والتركي عليها إحدى أبرز معاقل ميليشيات الحماية، وتُوصف بأنها عاصمة الميليشيا، لكونها تحوي عشرات المكاتب الرسمية لها، ذلك فضلاً عن أهميتها الإستراتيجية وقربها من طريق “(الرقة – حلب” (M4

وتعتبر المدينة وأريافها أيضاً بمثابة صلة الوصل بين مناطق سيطرة ميليشيات الحماية في شرق حلب (منبج – عين العرب)، وبقية مناطقها في أرياف دير الزور والحسكة والرقة.

وأثار التصعيد العسكري المفاجئ لتركيا تساؤلات فيما إذا كانت تنوي استئناف عملية “نبع السلام” التي علقتها في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2019، بعد توصلها لاتفاقين منفصلين مع الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، يقضيان بسحب عناصر ميليشيات الحماية وسلاحها على طول الحدود الجنوبية لتركيا مع سوريا، بعمق 32 كيلومتراً.

وفي خضم التصعيد لا يمكن تجاهل تلويح الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” في الثالث من شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بشن عملية عسكرية جديدة في سوريا ضد “الإرهاب”، حيث قال: “سنذهب بأنفسنا لتطهير أوكار الإرهاب بسوريا إن لم يتم الوفاء بالوعود المقدمة لنا”.

ولم يخلُ تصريح “أردوغان” من العتب على أمريكا وروسيا، حيث أفاد بأن الأطراف التي تلتزم الصمت إزاء التنظيمات الإرهابية والدول الداعمة لها تضع كافة المبادئ الأخلاقية والقانونية والحقوقية جانباً عندما يتعلق الأمر بتركيا”.

وأكدت مصادر عسكرية لـ” نداء سوريا”أن الفيالق الثلاثة في الجيش الوطني السوري تجري تدريبات مكثفة لمقاتليها خلال الفترة الحالية، وأشارت إلى أن أحد المعسكرات يضم مقاتلين من كافة الفيالق، ويشرف عليه ضباط أتراك بشكل مباشر، مضيفة أن الدفعة الأولى مضى على تدريباتها شهر، في حين ستنخرط دفعة ثانية في ذات المعسكر الأسبوع القادم.

وفي السياق ذاته أشارت مصادر مقربة من ميليشيات الحماية لـ نداء سوريا”” أن الميليشيات نقلت كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر خلال الأيام الماضية، من مدينة “منبج” شرق حلب، نحو سد تشرين، كما نقلت شاحنات من الذخيرة إلى مدينة “الطبقة” في ريف الرقة الغربي، يأتي ذلك في وقت تشهد به صفوف الميليشيا حالة من القلق حيال احتمالية شن تركيا لأي هجوم عسكري، ما دفع قادة الميليشيا لإجلاء عوائلهم من مدينة “عين عيسى” نحو مدينة الرقة.

هل تقدم تركيا على عمل عسكري؟

أفاد الخبير العسكري العقيد “عبد الجبار عكيدي” بأن نظام الأسد سحب مؤخراً مجموعات ضخمة تابعة له من مدينة “عين عيسى” إلى جنوبي مدينة “الطبقة” في ريف الرقة، مع إبقائه على جزء صغير من قواته في المدينة، التي تسعى ميليشيات الحماية لتحصينها وإنشاء تجهيزات هندسية في محيطها.

ورجح “عكيدي” خلال حديثه ل”نداء سوريا” أن تكون تحركات النظام قد جاءت بإيعاز روسي، من باب الضغط على ميليشيات الحماية، للقبول بمطالبها المتمثلة بتسليم المناطق الحدودية مع تركيا لنظام الأسد، تجنباً لأي هجوم تركي.

وعوَّدتنا تركيا بأن تقوم قبل البدء بأي عملية عسكرية في سوريا، بتهيئة الرأي العامّ إعلامياً وسياسياً، وفقاً للعقيد، الذي أكد أن ذلك لم يحصل حتى الآن، وهو ما يُبعد فرضية شن تركيا هجوماً في الوقت الحالي، من شأنه أن يضعها في مواجهة أمريكا والاتحاد الأوروبي.

وأكثر ما يمكن أن تقوم به تركيا حالياً حسب توقعات “عكيدي”، هو عمليات جراحية سريعة، للحفاظ على وقف إطلاق النار في إدلب وتثبيته بشكل أكبر، وبذات الوقت الحفاظ على التفاهمات مع موسكو في إطار اتفاقيات “سوتشي” و”أستانا”.

وعند الحديث عن منطقة شرق الفرات، يرى “رشيد حوراني” الباحث في المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العامّ أنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار لسيطرة عدة جهات محلية ودولية على المنطقة، خاصة أن حدود خاوطة السيطرة تتداخل فيما بينها.

وقال “حوراني” خلال حديثه لـ”نداء سوريا” إنه وبالنظر إلى خارطة التحالفات المتبدلة باستمرار ومقارنتها بالتهديدات التركية الحالية، يمكن القول إن التهديد يأتي من عدة منظورات، ومن ضِمنها سعي المجتمع الدولي لإخراج إيران من سوريا.

وأضاف: “بعد تقارب إيران مع حزب العمال الكردستاني بهدف التنسيق لإبعاد الروس من شمال شرقي سوريا، وجدت روسيا من خلال محادثاتها مع تركيا التي تجيد اللعب على التناقضات أنه من الضروري التلويح بالتنسيق مع أنقرة بعمل عسكري ضد الميليشيات، وبذلك من الممكن أن تحقق أمرين، أولهما إضعاف منافسها الإيراني، وزرع الخوف لدى “قسد” للرضا بالإملاءات الروسية، وخاصة بما يتعلق بمخرجات تفاوضها مع النظام السوري”.

ولفت إلى أن أنقرة بدورها لا تتردد في اتخاذ أي إجراء لحماية الأمن القومي التركي، ولذلك صرحت مؤخراً بأنه وفي حال فشلت المحادثات السياسية، فهي مستعدة لشن عملية عسكرية ضد المنظمات الإرهابية وتعني “قسد”، وهو ما دفع قائد الأخيرة “مظلوم عبدي” للتصريح بقبول الحوار مع تركيا، بعد أن شعر بجدية تهديداتها.

ويضيف “حوراني”: “في ضوء الخلاف بين تركيا وروسيا على النفوذ في أذربيجان من الممكن أن تعطي موسكو لأنقرة الضوء الأخضر في سوريا، على أن تضع حداً للتمدد التركي في القوقاز الذي تعتبره روسيا منطقة تقليدية لها”.

ويؤكد أن التهديدات التركية بشكل عامّ هي رسائل لكافة الأطراف، تحمل في طياتها عزم الجانب التركي على تحقيق مصالحه بشتى السبل وفي مقدمتها السياسية؛ والتي إن فشلت فإن لدى أنقرة القدرة على معارك الميدان، وأصبحت تجاربها في ذلك واضحة في عموم المنطقة سواء في ليبيا أو العراق أو أذربيجان أو سوريا.

مختارات الصحف-عن نداء سوريا(خاص)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى