العالمرئيسي

كيف يؤدي انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان إلى تقويض جهود روسيا للهيمنة في آسيا ‏الوسطى وشرق أوروبا؟

الانسحاب الأميركي من أفغانستان يسجل نهاية لمنطق الأممية الليبرالية الذي تبنته واشنطن منذ سقوط الاتحاد السوفياتي السابق، كما يسجل بداية ظهور اتجاه صعودي إستراتيجي يأخذ شكل زعزعة استقرار الجناح الجنوبي لروسيا، وبالتالي إضعاف قدرة موسكو على متابعة طموحاتها المتعلقة بالقوة العظمى في كل من آسيا الوسطى وأوروبا.

يوضح مقال -كتبه أندرو لاثام أستاذ العلاقات الدولية بكلية “ماكاليستر” (Macalester) في سانتول بولاية مينيسوتا الأميركية ونشره موقع “ذا هيل” (The Hill) الأميركي أن الأممية الليبرالية نشأت بعد الحرب الباردة وتبنت نظام القطبية الأحادية في العالم (مع اعتبار الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم).

ويضيف لاثام أن الهدف الرئيسي لهذه الأممية هو استخدام قوة الجيش الأميركي وموارد القوة الناعمة الأميركية التي لا مثيل لها لدعم “النظام الدولي الليبرالي”، الذي أصبح الرؤية الشاملة التي توجه السياسة الخارجية والدفاعية للولايات المتحدة.

خطأ فادح

ومن منظور الأممية الليبرالية، يقول لاثام لقد استهدف الغزو الأميركي استئصال تنظيم القاعدة ورعاته من طالبان، متبوعا بحملة لتحويل أفغانستان إلى ديمقراطية ليبرالية فاعلة؛ ولذلك، من منظور الأممية الليبرالية، يبدو الانسحاب الأميركي من أفغانستان خطأ فادحا.

لكن لاثام يقول إن هناك طريقة أخرى للنظر للانسحاب الأميركي. فإذا رفض المرء “خرافات” النزعة الدولية الليبرالية ورموزها، وتبنى بدلا من ذلك منظورا أكثر واقعية، فلن يرى خطأ في الانسحاب الأميركي، بل سيكون هذا الانسحاب إيجابيا باعتبار أنه سيزعزع استقرار الجناح الجنوبي لروسيا، وبالتالي إضعاف قدرة موسكو على متابعة طموحاتها المتعلقة بالقوة العظمى في كل من آسيا الوسطى وأوروبا.

وإذا انهارت الحكومة الأفغانية وانتصرت طالبان وسعت إلى تصدير الثورة -مثل أية حركة ثورية- فقد يؤدي ذلك إلى زعزعة استقرار دول آسيا الوسطى المجاورة.

طاجيكستان

طاجيكستان المجاورة لأفغانستان -على سبيل المثال- أصبحت تعاني بالفعل من الهزات التي قد تنذر بحدوث زلازل جيوسياسية إقليمية، واضطرت بالفعل إلى دعوة روسيا والأعضاء الآخرين في منظمة معاهدة الأمن الجماعي -وهو تحالف عسكري ما بعد الاتحاد السوفياتي تهيمن عليه روسيا- لتقديم المساعدة في التعامل مع التحديات الأمنية الناشئة من أفغانستان. ويبدو من المرجح أن ترد روسيا بزيادة قواتها العسكرية المنتشرة بالفعل في قاعدتها في دوشنبه، عاصمة البلاد.

وإذا ثبت أن هذا الزلزال هو نذير بالمزيد من الاضطرابات العامة في آسيا الوسطى، فسيتعين على روسيا تكريس المزيد -وربما أكثر بكثير- من الموارد العسكرية للمنطقة؛ لأنه في حال سقوط أي من الدول الأعضاء في منظمة معاهدة الأمن الجماعي في يد الحركات المتحالفة مع طالبان والتي شجعها سقوط الحكومة الأفغانية و”هزيمة” الولايات المتحدة؛ فإن مكانة روسيا كضامن للأمن الإقليمي وكقوة مهيمنة سيكون موضع شك كبير.

الاستحواذ على اهتمام موسكو

ويستمر لاثام في تحليله قائلا حتى إذا لم يتحقق السيناريو الأسوأ للكرملين؛ فإن الاضطرابات المستمرة التي تثيرها طالبان في جميع أنحاء المنطقة سوف تستمر في الاستحواذ على اهتمام موسكو. وبغض النظر عن الأهمية الاقتصادية للمنطقة -فهي مصدر مهم للعمالة المهاجرة الرخيصة للاقتصاد الروسي- فإن عدم الاستقرار في آسيا الوسطى وحركات التمرد سينتشران في روسيا. ويضيف الكاتب “لا ينبغي لنا أن ننسى أن روسيا لا تزال ترى المنطقة كجزء من جوارها الخارجي، وأنها مساحة تعتقد أنه يحق لها الهيمنة عليها”.

لكل هذه الأسباب -يستنتج لاثام- لا تستطيع موسكو ببساطة تحمل ترف الجلوس مكتوفة الأيدي بينما تثير طالبان الاضطرابات في المنطقة. فإذا سقطت كابل، ستنجذب روسيا بشكل أعمق إلى آسيا الوسطى غير المستقرة بشكل متزايد. وعلى الرغم من أن احتمال جرها مرة أخرى إلى مقبرة الإمبراطوريات أفغانستان يعد بعيدا؛ فإن احتمال الانجرار إلى المناطق المجاورة المباشرة لتلك المقبرة، كبير.

ودعا لاثام مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية لتجاوز الأممية الليبرالية واحتضان “المنطق الخالد” لواقعية توازن القوى.

الجزيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى