تحليل الاستراتيجيةرئيسي

حزب الله يخترق إدارة بايدن

قد لا يضطر حزب الله الى الإعلان عن نهاية حالة العداء لأميركا، والانتقال إلى التعايش معها في حالة اللاحرب واللاسلم، لكن المؤكد أنه سيجد نفسه محكوماً بإجراء مراجعة شاملة للموقف من الشيطان الأكبر، إن لم يكن قد بدأ بالفعل بمثل هذه المراجعة، في ضوء تعيين أحد الأصدقاء القدامى لمحور “المقاومة والممانعة” الثلاثي، الإيراني السوري اللبناني، في منصبٍ رفيعٍ في إدارة الرئيس جو بايدن.

فالمبعوث الأميركي الجديد إلى إيران روبرت مالي، كان من الزوار الدائمين لبيروت والرواد الأميركيين المهتمين بضاحيتها الجنوبية، وبحلقات الحوار مع حزب الله بالذات، عندما كان أحد المفاوضين الرئيسيين على الاتفاق النووي الموقع مع إيران في العام 2015، وعندما كان رئيساً ل”مجموعة الأزمات الدولية”، التي أدت دوراً مهماً في تطوير علاقات العمل  الأميركية مع إيران، كما في الدفاع عن نظام الرئيس بشار الاسد ومنع سقوطه أو حتى معاقبته على هجماته الكيميائية.

كانت الضاحية الجنوبية لبيروت محطة روبرت في الطريق إلى طهران، التي كان ولا يزال شغوفاً بها، على قاعدة نظرية كانت ولا تزال رائجة في بعض فروع المؤسسة الحاكمة ومراكز الأبحاث الأميركية، القريبة من الحزب الديموقراطي، وقد تحولت إلى عقيدة عمل لدى الرئيس الأسبق باراك أوباما، ومفادها أن إيران، ومنذ هجمات 11 ايلول 2001 ، هي الحليف الطبيعي والشريك الرئيسي الذي لا تستغني عنه أميركا في مواجهة السنّة ودولهم وتنظيماتهم الإسلامية.

لم يعرف عن تلك الزيارات للضاحية أن روبرت كان مهتماً بالشأن اللبناني الداخلي، الذي لم يكن يتطرق إليه إلا لماماً عندما كان يزور بيروت في التسعينات وبداية القرن الحالي، كباحث ومستشار مهتم بالمرحلة الفلسطينية التالية لإتفاق أوسلو، حيث أطلق في تلك الفترة إقتراحاً يدعو إسرائيل وأميركا الى التفاوض مع حركة حماس، ثم عاد وأنكره بسرعة، نتيجة إعتراضات إسرائيلية ما زالت أصداؤها تتردد حتى اليوم في صحافة إسرائيل.

لم تكن الضاحية هي التي فتحت لروبرت أبواب طهران طبعاً، لكنها ساهمت ربما في بناء الثقة الإيرانية بالمسؤول الأميركي الذي ما أعلن عن إختياره للمنصب الجديد قبل أيام حتى خفّت أصوات كبار المسؤولين الإيرانيين التي صدحت في طهران، مطالبة  الرئيس بايدن بالإعتذار عما فعله سلفه دونالد ترامب وبالإلغاء الفوري للعقوبات القاسية التي فرضها في السنوات الأربع الماضية، قبل العودة الى الإلتزامات المنصوص عليها في الاتفاق النووي. كانت خبر عودة روبرت إلى الإدارة وإلى الملف الإيراني بالتحديد، بادرة أميركية حسنة تجاه إيران، يمكن أن تغير اللغة والنظرة المتبادلة بين البلدين.

لكن المؤكد أن الضاحية الجنوبية كانت منصة روبرت ومحفزه للقيام بواحدٍ من أسوأ أدواره الدبلوماسية، المستوحى من جذوره السورية-المصرية، وهو الإنتصار لبشار الاسد، سواء في عهد أوباما الذي توصل بإرشادات ونصائح متعددة، بينها نصيحة روبرت بالذات، بلا جدوى تغيير النظام السوري أو تهديده أو حتى معاقبته على سلوكه ( حتى الكيماوي)، وبلا وجود لما يسمى بالمعارضة السورية التي يمكن إقناع بشار بأن يفتح لها فرص المصالحات ولجانها المدمرة. وهكذا كان، حتى ولو برعاية روسية مباشرة!

تعترف إدارة بايدن لا سيما وزير خارجيته انطوني بلينكن (الصديق القريب لروبرت) بأن سياسة أوباما السورية كانت خاطئة، وأسفرت عن هزيمة أميركية أمام الروس والايرانيين، وهي تحتاج الى إعادة نظر كاملة. لكن ليس هناك دليل حتى الآن على أن تلك الخطوة ستسير في اتجاه التنازع او التنافس مع الدورين الروسي والايراني في سوريا. ثمة أدلة متعددة على أن واشنطن تبدي إستعداداً لدفع ثمن هذه الهزيمة، من خلال طرح فكرة رفع العقوبات تدريجياً عن نظام الاسد والسماح بإنطلاق عملية إعادة الإعمار في سوريا مقابل إصلاحات سياسية وأمنية محددة من النظام، قد تبدأ بفتح باب الترشيح لمنافسين متعددين للأسد في الإنتخابات الرئاسية السورية المقررة في الصيف المقبل! وهي فكرة يروج لها هذه الأيام، السفير الأميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان، المرشح لمنصب المبعوث الاميركي إلى سوريا.

إذا ما سارت الأمور على هذا النحو، فإن الضاحية الجنوبية ستشهد قريبا إحتفالات بالنصر النهائي في سوريا، على الشيطان الأكبر الذي جرى إختراقه في عقر داره.

ساطع نور الدين- المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى