تحليل الاستراتيجيةرئيسي

زيارة الأسد للإمارات…الدوافع والدلالات

تزامنت زيارة الرئيس بشار الأسد التي أجراها إلى دولة الإمارات الجمعة الفائت، مع ذكرى اندلاع الثورة السورية في منتصف مارس/آذار 2011، ومع  حرب  أحد أطرافها روسيا التي تعتبر لاعبا أساسيا  في المحور الداعم  لنظام الأسد في حربه التي يشنها ضد المناهضين له و المطالبين برحيله.

 وتعد هذه الزيارة التي أثارت ردود فعل واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي -الاولى من نوعها- إلى دولة عربية منذ اندلاع الاحتجاجات في سوريا، إذ اقتصرت زيارات الأسد خارج سوريا منذ اندلاع الحرب على إيران وروسيا فقط.

وتوالت التعليقات على الزيارة وسط احتمالية أن تكون خطوة لإضفاء الشرعية على نظام بشار الأسد المستهدف بسلسلة من العقوبات الاقتصادية كوسيلة  لدفعه لإيقاف الحرب و الموافقة على حل سياسي وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.

ما هي دلالات ودوافع زيارة الأسد للإمارات في الوقت الراهن ؟

بدأت دولة الإمارات  بتغيير موقفها تجاه نظام الأسد تدريجيا.  أقدمت الإمارات على فتح سفارتها في دمشق في عام 2018  بعد إغلاقها للسفارة في عام 2013، و أجرى ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد  اتصالا هاتفيا مع بشار الأسد في مارس/آذار من عام 2020. وسبقت زيارة بشار الأسد للإمارات، وصول وزير الخارجية الإماراتي دمشق في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 للمرة الاولى منذ بدء الحرب السورية.

التقى الأسد  خلال زيارته إلى الإمارات في العاصمة الإماراتية ولي العهد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، و استقبله حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وفق وكالة أنباء الإمارات “وام”، التي أشارت إلى أن الزيارة تأتي في إطار “الحرص المشترك على مواصلة التشاور و التنسيق بين البلدين حول مختلف القضايا.”

وحول رسالة زيارة الأسد من ناحية التوقيت و من ناحية الأطراف المعنية،  يقول المحلل السياسي السوري المعارض أيمن عبد النور في حديث له مع موقع ام 5، إن هناك مصلحة لدى الطرفين (السوري و الإماراتي) من عقد هذا الاجتماع.

 ويتابع قائلا :”تجد الإمارات نفسها في وضع دقيق و حساس في هذه المرحلة. ترغب الولايات المتحدة من خلال الملف النووي الإيراني وعقدها للاتفاق في زيادة التعاون مع إيران و بالتالي ضخ كميات كبيرة من الأموال و إعادتها إلى إيران. هذا الأمر سيؤثر جدا في دور إيران الإقليمي ووزنها من خلال الميليشيات التابعة لها أو حزب الله التي تخلخل أمن الخليج”.

وبحسب عبد النور فإن “الإمارات ترى في التنسيق الأمريكي و الإيراني المستقبلي خطرا على أمنها الإقليمي و بالتالي على أمنها القومي، لذلك فهي تسعى إلى تشكيل توازن أو مجموعة لتكتل دول إقليمية مثل ( الإمارات-مصرإسرائيل-البحرين إضافة لدول تدعم المشروع من خارجه كالسعودية و النظام السوري و دول أخرى) و ذلك لموازنة الدولتين الإقليمين الكبرتين في المنطقة وهما إيران وتركيا”.

ويرى عبد النور ضرورة في وجود سوريا في هذا التكتل لأنها يمكن أن تعيق مرور كل خطوط النفظ و الغاز لإيران و لقطر التي تمر لأوروربا وللبحر المتوسط عبرها. و بالتالي تحقق سوريا قيمة مضافة سورية لهذا التكتل على حد تعبيره.

أما عن الفائدة التي يريد أن يحققها الأسد عبر إجرائه لهذه الزيارة، فيقول عبد النور:”متطلبات بشار الأسد من الإمارات هي تقديم الدعم الغذائي و خاصة القمح، و أيضا استخدام المصارف الإماراتية لفتح الاستيراد و اعتماد المستندات المصرفية بعد أن تم تجميد العمل بالمصارف الروسية التي كان يستخدمها المصرف المركزي السوري لفتح اعتمادات لكل مشتريات النظام السوري.  و أخيرا تثبيت سعر الصرف أيضا لأن سعر الصرف بدأ ينهار ووصل إلى 4000 ليرة مقابل كل دولار”.

هل هناك “عدم اكتراث” إماراتي بالموقف الأمريكي؟

سارعت واشنطن بعد الزيارة التي أجراها الأسد إلى الإمارات إلى التنديد بالزيارة و التعبير عن “خيبة أملها” من محاولة إضفاء الشرعية على بشارالأسد  كما أفادت وزارة الخارجية الأمريكية عبر بيان الاثنين الفائت.

وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ند برايس قد دعا بعد زيارة عبد الله بن زايد إلى دمشق،  إلى “النظر بعناية في الفظائع التي ارتكبها نظام الأسد ضد الشعب السوري خلال العقد الماضي” و عبر عن رفض أمريكي صريح لجهود التطبيع مع النظام السوري.”

وذكر موقع أكسيوس الأمريكي اليوم  نقلا عن مصدرين لم يسمهما، أن إدارة بايدن فوجئت بزيارة الأسد إلى أبوظبي يوم الجمعة الفائت.

إذا يظهر مما سبق وجود حالة من غياب الاتفاق الإماراتي-الأمريكي في هذا الملف. تعليقا على هذا الأمر يقول عبد النور لموقع ام 5 إن “الولايات المتحدة ترى أن التصرف الإماراتي هذا يصب في مصلحة روسيا لذلك فهي انتقدته بشدة.”

لكن لا يتوقع عبد النور اتخاذ اجراءات تصعيدية من قبل الولايات المتحدة ضد الإمارات قي الفترة الحالية، ويوضح ” قد تعتمد الإمارات على اللوبي الإماراتي و على اللوبي الداعم لإسرائيل لتجنب اتخاذ اجراءات تصعيدية ضدها من قبل الولايات المتحدة. لكن الأمر يترافق مع تشدد إماراتي – سعودي برفض رفع  سقف الإنتاج أكثر من الحد المتفق عليه في أوبك و هذا مما يصعد الموقف أيضا. لكنني لا أعتقد أن هناك إجراءات ستتخذ ضد الإمارات في الفترة القريبة لأن الولايات المتحدة ليست في وارد فتح جبهات أخرى في الفترة الحالية”.

وكان سفير الامارات لدى واشنطن، يوسف العتيبة  قد قال في الثالث من شهر آذار الجاري، إن العلاقة بين بلاده والولايات المتحدة تمر بمرحلة”اختبار القدرة على تحمل الإجهاد”، وذلك بعد سلسلة تباينات في المواقف بين الحليفين آخرها حيال الغزو الروسي لأوكرانيا.

 واختارت الإمارات البقاء على الحياد بين الحلفاء الغربيين وروسيا، إذ امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن الدولي لمشروع قرار صاغته الولايات المتحدة و ألبانيا يدين الغزو الروسي لأوكرانيا.

وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي، هدّدت الإمارات التي تستضيف قوات أميركية على أرضها، بإلغاء صفقة ضخمة لشراء طائرات مقاتلة أميركية من طراز “اف-35″، احتجاجًا على الشروط الصارمة المرتبطة بمخاوف واشنطن بشأن الصين.

وحول موضوع تسريع نقل الولايات المتحدة لبطاريات أنظمة الدفاع الجوية”باتريوت” إلى السعودية في الوقت الحالي  بعد تأخره لأشهر،  فيقول عبد النور ” التشدد السعودي الإماراتي بخصوص عدم رفع سقف انتاج النفظ  أدى إلى ضغوط حقيقية في الولايات المتحدة على إدارة الرئيس الأمريكي في الداخل. هذا الأمر يعد أخطر ضغط يمكن أن تخضع له إدارة الرئيس الأمريكي لأنه يؤدي إلى زيادة أسعار النفط على المستهلك الأمريكي مما يخلق حالة استياء شديدة لدى المواطن الأمريكي ضد الإدارة الأمريكية” .

ويتابع” ترغب الإدارة الأمريكية في حل هذا الإشكال مما دفعها إلى تخفيف بعض العقوبات التي كانت موجودة سابقا و اعادة صواريخ الباتريوت التي كانت قد سحبتها من السعودية في وقت سابق” .

الولايات المتحدة وموقف الحليف الPKK المساند لروسيا

في سياق منفصل، اعتمدت الاستراتيجية الأمريكية في سوريا على “محاربة الإرهاب” و محاربة داعش كما أعلنت مرارا. و عقدت الولايات المتحدة في سبيل هذا تحالفات مع ميليشيات ال  PYD  الفرع السوري لمنظمة الPKK  التي  أظهرت دعما لروسيا في حربها ضد أوكرانيا كما ظهر في تسجيل  لقيادي في التنظيم يدعى “دوران كالكان”.

حول هذا ، يقول عبد النور إن الولايات المتحدة تفرق بين الإدارة الذاتية أي حزب الاتحاد الديمقراطي في شمال شرق سوريا و بين تنظيم ال PKKرغم معرفتها بدقة أن كثر من قياداته هم أعضاء في الحزب أو كانوا ضمنه، على حد تعبيره.

ويضيف “في الزيارة الأخيرة التي قام بها مسؤول الملف السوري و مسؤولة الملف العراقي في الخارجية الأمريكية إلى منطقة شمال شرقي سوريا يتضح أن هناك رغبة أمريكية في أن  يكون هناك مصالحة كردية -كردية -سورية بين الإدارة الذاتية و قسد و المجلس الوطني الكردي و حزب المستقبل الكردي و أيضا تحسين العلاقة مع كردستان العراق و زيادة المكون العربي و المسيحي في الإدارة الذاتية. ترغب الولايات المتحدة من خلال هذا بفصل و إبعاد الإدارة الذاتية عن كوادرها المرتبطة بحزب العمال الكردستاني في جبال قنديل في العراق، لأنها تفرق بين الإدارة و قسد و بين ال PKK”.

آلاء تركماني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى