تحليل الاستراتيجيةرئيسي

العقوبات الأمريكية على الصناعات الدفاعية التركية وأثرها على البلدين

بسبب إقدام تركيا على شراء منظومة الدفاع الجوي “إس-400” (S-400) من روسيا، نشبت خلافات بين أنقرة وواشنطن. وقد دخل هذا الخلاف مرحلة جديدة خلال الأسبوع الماضي، مع اعتماد البيت الأبيض على قانون مواجهة أعداء أميركا من خلال العقوبات الصادر في 2017 “كاتسا” (CAATSA)، لفرض حزمة من العقوبات على تركيا. وينص هذا القانون على 12 نوعا من العقوبات، التي يجب تفعيل 5 منها على الأقل ضد البلدان المستهدفة. وفي هذه الحالة، لم يتم استهداف المؤسسات المالية التركية؛ بل اقتصرت العقوبات على قطاع الصناعات الدفاعية.

من بين هذه العقوبات الخمس التي أعلنها وزير الخارجية، مايك بومبيو، بعد التشاور مع وزارة الخزانة، حظر إصدار تراخيص التصدير الأميركية لمجمع الصناعات الدفاعية التركي، ومنع نقل أي سلع وتقنيات، إلى جانب منع منح القروض من المؤسسات المالية الأميركية، ومنع تقديم أي دعم من بنك الاستيراد والتصدير الأميركي.

لن تؤثر هذه العقوبات المفروضة على أنقرة على مبيعاتها الدفاعية لدول أخرى. ويمكن اعتبار أن الولايات المتحدة اختارت فرض عقوبات متوسطة وغير مشددة، بعد أن فضلت حلا وسطا يجنبها التضحية بالعلاقات مع تركيا. ولعل هذا ما أكده وزير الخارجية الأميركي بقوله إن الولايات المتحدة لا ترغب في تقويض القدرات العسكرية أو الاستعدادات القتالية للحليف التركي؛ بل ترغب فقط في استهداف روسيا وتحجيم نفوذها.

البيت الأبيض ليس لديه الكثير من اللوم، الذي يمكن توجيهه لتركيا؛ بل إن الجانب التركي هو الذي يمكنه توجيه هذا اللوم، باعتبار أن الولايات المتحدة كانت دائما تحشد العالم تحت شعار مكافحة الإرهاب عندما ترغب هي في ذلك.

تأتي هذه العقوبات في ظرف سياسي استثنائي في واشنطن، حيث تم انتخاب رئيس جديد؛ لكنه لم يتسلم مهامه بعد. وكما هو معلوم، فإن ترامب الذي سيبقى في البيت الأبيض حتى 20 يناير/كانون الثاني المقبل، كان يعارض هذه العقوبات بشدة.

تعد تركيا عضوا مهما جدا في حلف الناتو؛ إلا أنها اضطرت لمخالفة الرغبة الأميركية وشراء منظومة الدفاع الروسية؛ بسبب التحديات الأمنية التي تواجهها. وكانت تركيا قد طالبت بدعم من الناتو بعد أن وصلت المعارك في الحرب السورية إلى حدودها وسقطت الصواريخ على مدنها الحدودية؛ لكن واشنطن نشرت منظومة صواريخ “باتريوت” (Patriot)، وسرعان ما عادت لسحبها، تاركة أنقرة بمفردها في المواجهة.

لذلك يمكن القول إن البيت الأبيض ليس لديه الكثير من اللوم، الذي يمكن توجيهه لتركيا؛ بل إن الجانب التركي هو الذي يمكنه توجيه هذا اللوم، باعتبار أن الولايات المتحدة كانت دائما تحشد العالم تحت شعار مكافحة الإرهاب عندما ترغب هي في ذلك؛ إلا أنها أصبحت الآن أكبر داعم وممول للإرهاب في العالم. ربما هذا الأمر لا أحد يمكنه التصريح به؛ بسبب التلويح الدائم بالعقوبات التي تخيف الجميع، لكن تركيا تقول هذا الكلام في كل مكان، وستقوله في وجه واشنطن.

وفي هذه الأثناء، فإن الحظر الذي سيتم فرضه على تزويد تركيا ببعض المنتجات الضرورية للصناعات الدفاعية، لن يؤدي للإضرار بهذه الصناعة؛ بل سيدفعها لمزيد من التطور. وقد أثبتت تجارب الماضي أن القيود والعقوبات مثلت دفعا للابتكار، وحصول تركيا على تكنولوجيا خاصة بها.

لقد تضاعف حجم الصناعة الدفاعية التركية ليصل إلى 11 مليار دولار في 2019. كما أن نسبة الإنتاج المحلي من المشتريات الدفاعية بلغت 70%، وقد بلغت 100% في مجال الطائرات بدون طيار، بعد أن كانت تعتمد في هذا المجال على إسرائيل بشكل كبير إلى حدود عام 2010.

كانت تركيا حينها غير راضية عن هذا التعامل مع إسرائيل، بما أنها لم تكن تحصل على ما تريد، وكانت الطائرات بدون طيار المقاتلة الإسرائيلية متدنية الجودة وسريعة العطب وصيانتها باهظة الثمن. كما أن الصور التي كانت تُلتقط بهذه الطائرات بدون جدوى، وكانت هناك شكوك بأن إسرائيل ترسل الصور والمعلومات إلى حزب العمال الكردستاني المصنف منظمة إرهابية من تركيا، باعتبار أن العمليات التي كانت تستخدم فيها هذه الصور لم تكن تحقق النجاح ضد هذه المنظمة الإرهابية.

لكن بعد واقعة مؤتمر دافوس حين هاجم أردوغان شمعون بيريز بشدة، فرضت إسرائيل عقوبات على تركيا تضمنت التوقف عن بيع الطائرات المقاتلة بدون طيار، وهو ما دفع بأنقرة لتطوير تكنولوجيا خاصة بها في هذا القطاع؛ لتصبح في سنوات قليلة واحدة من الدول الرائدة في هذا المجال. والآن، بفضل تصنيعها للطائرات المسيرة تمكنت تركيا من تحقيق انتصارات كبيرة على الإرهاب، ليس فقط على أراضيها؛ بل أيضا في ليبيا وسوريا وفي أذربيجان؛ لتكتسب هذه الطائرات سمعة بطولية.

هذا مثال واحد ينطبق على العديد من القطاعات الأخرى، حيث تحقق تركيا تقدما سريعا، وتدفعها القيود والعقوبات التي تفرض عليها نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي. وهو ما يمكن التعبير عنه بقول الله تعالى (عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم).

المصدر الجزيرة نت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى