نشرت مجلة “فورين أفيرز” (Foreign Affairs) الأميركية مقالا طويلا حول علاقة أميركا بأفريقيا قالت فيه إن هذه القارة تشهد تغيرات كبيرة وإن إستراتيجية الولايات المتحدة تجاهها لا تواكب هذا التغيير.
وأوضح المقال -الذي كتبه جون تيمين مدير برنامج أفريقيا في منظمة “فريدوم هاوس” والمشرف على جهود المنظمة لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في جميع أنحاء القارة- أن أفريقيا لم تكن أبدا على رأس أولويات أميركا رغم بعض المبادرات المؤثرة التي أطلقها بعض الرؤساء الأميركيين والتي ساعدت في تقدم التجارة والصحة والطاقة، من بين أمور أخرى، لكنها كرست اهتماما محدودا ومتقطعا للقارة.
وأضاف أن إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب ركزت على الأهداف الضيقة للتنافس مع الصين، والحد من البصمة العسكرية الأميركية وتوسيع مشاركة القطاع الخاص.
بايدن لم يضع إستراتيجية لأفريقيا
أما إدارة الرئيس جو بايدن فقد كانت بطيئة في الخروج من الحواجز المفروضة على أفريقيا، وبصرف النظر عن استجابته الدبلوماسية المركزة على الحرب الأهلية المروعة في إثيوبيا وبعض التلميحات حول مجالات التركيز الأخرى، مثل التجارة والاستثمار، إلا أنها لم تضع إستراتيجية للقارة.
وقال تيمين إن التغيرات الديموغرافية والاقتصادية والسياسية القوية تجتاح أفريقيا، مما يزيد من فرص المشاركة الإيجابية الأميركية هناك ويؤكد الحاجة إلى رفع أفريقيا على قائمة أولويات السياسة الخارجية لواشنطن.
ودعا تيمين إدارة بايدن إلى وضع سياسة إستراتيجية جريئة في الأشهر المقبلة، تعيد صياغة التفكير الأميركي حول أفريقيا من التركيز على منطقة جنوب الصحراء الكبرى إلى نظرة أوسع على القارة ككل ومن التركيز المفرط على المنافسة الأميركية الصينية إلى مشاركة أوسع مع الشعوب، مشيرا إلى أن ذلك يتطلب إطالة الإطار الزمني لأهداف الولايات المتحدة، لا سيما تلك المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، والتركيز أكثر على تعزيز المؤسسات بدلا من الحفاظ على العلاقات مع القادة الأفارقة الأفراد.
السكان والاقتصاد والسياسة
وأورد الكاتب تفاصيل حول التغيّرات التي تجري في أفريقيا في مجالات تزايد عدد السكان ونمو الاقتصاد واحتمال تزايد النفوذ السياسي للقارة التي تشهد تعزيز التبادل التجاري بين دولها الـ54، مؤيدا ما قاله رئيس جنوب أفريقيا السابق ثابو مبيكي عن أن القرن الـ20 هو “قرن أفريقيا”.
ومع ذلك، يقول الكاتب، فإن المخاوف الأمنية تتزايد في منطقة الساحل وفي شرق وجنوب أفريقيا على طول المحيط الهندي، مشيرا إلى أن ما يقرب من 70% من جدول أعمال مجلس الأمن الدولي مكرس للسلام والأمن في أفريقيا.
الصين وروسيا ودول الشرق الأوسط
وقال إن الصين وروسيا ودول الشرق الأوسط تعمل على توسيع مجالات نفوذها في القارة، وغالبا ما تعزز الحكومات والفصائل الاستبدادية المعادية للمصالح الأميركية.
وقال أيضا يجب على الولايات المتحدة أن تتخلى عن الرواية القائلة إنها تقاتل الصين من أجل السيادة في أفريقيا، وأن تعيد صياغة فهمها الجيوسياسي للقارة، لا سيما فهمها لعدد الدول الأفريقية التي ترتبط بدول الخليج عبر البحر الأحمر وتقع عرضة لتصدير المنافسات بين تلك الدول إلى أفريقيا، خاصة إلى دول القرن الأفريقي، إثيوبيا والسودان والصومال، ويجب على إدارة بايدن تعزيز هذه الاتجاه من خلال تعزيز التعاون عبر الإدارات والوكالات البيروقراطية من أجل رفع كلا شاطئي البحر الأحمر إلى أولويات الأمن القومي الأساسية.
وأضاف أنه لا يجب تجاهل حقيقة أن الصين تنخرط في أفريقيا بطرق لا تفعلها الولايات المتحدة، حيث تقدم قروضا وأشكالا أخرى من الدعم لا يضاهيها الآخرون، وأن الولايات المتحدة لا تقدم بديلا، مما يجعل انتقادها للسلوك الصيني أجوفا، مضيفا أن واشنطن تحتاج إلى أن تثبت للأفارقة أنها تهتم بهم بسبب قيمهم الكامنة وإمكاناتهم، وليس بسبب دورهم في منافسة القوى العظمى، وهذا يعني التخلي عن نقاط الحديث المتعبة وتقديم بدائل تنافسية للدعم الاقتصادي الصيني.
القيم وإطالة الجدول الزمني
واستمر الكاتب يقول إن بايدن تعهد خلال حملته الانتخابية بوضع القيم في صميم السياسة الخارجية الأميركية، مضيفا أنه ولكي تظل إدارته وفية لهذا الالتزام، سيتعين عليها أن تفعل أكثر من أجل إعادة صياغة فهمها لأفريقيا؛ وسيتعين عليها إطالة الجدول الزمني لسياستها والتركيز أكثر على تعزيز المؤسسات بدلا من الحفاظ على العلاقات مع القادة الأفراد. إن النهوض بالقيم مثل الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان مسعى طويل الأمد، ومع ذلك، غالبا ما تتراجع هذه الأهداف عن المصالح قصيرة الأجل، لا سيما تلك المرتبطة بالأمن.
وشدد تيمين على ضرورة أن ترفع أميركا مستوى المؤسسات فوق الأفراد، قائلا لقد تعلمت واشنطن دروسا صعبة من خلال فعل العكس. فعلى سبيل المثال، يقول الكاتب، عندما حصل جنوب السودان على الاستقلال في عام 2011، اعتقد صانعو السياسة الأميركيون خطأً أن علاقاتهم الطويلة الأمد مع السياسيين الأكثر نفوذا في البلاد ستمكنهم من إقناع هؤلاء السياسيين بالتنازل وقيادة البلاد نحو الاستقرار والديمقراطية، لكن قادة جنوب السودان وضعوا مصالحهم الذاتية قبل الأمة، متحدين النداءات الأميركية.
كما ارتكب المسؤولون الأميركيون نفس الخطأ في إثيوبيا، حيث احتضنوا أحمد آبي عندما أصبح رئيسا للوزراء في 2018 دون طرح العديد من الأسئلة، وكذلك مع سلفه ملس زيناوي.
الرهان على المؤسسات
وقال إن الرهان الأفضل والأكثر أمانا هو المؤسسات التي تتحقق من تجاوزات السلطة التنفيذية، وتدعم سيادة القانون، وتفضح نظام اللصوصية مثل المحاكم؛ والمجالس التشريعية ووسائل الإعلام؛ واللجان التي تركز على الانتخابات ومحاربة الفساد والدفاع عن حقوق الإنسان. وختم تيمين مقاله بالقول إن إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمنح أفريقيا دورا أكثر بروزا سيكون خطوة أولى جيدة، كما يجب على مجموعة الـ20 التي تضم حاليا عضوا أفريقيا واحدا (جنوب أفريقيا) أن تنظر أيضا في إضافة نيجيريا التي أصبحت قوة اقتصادية، كذلك يجب في التجمعات المخصصة مثل قمة بايدن من أجل الديمقراطية إبراز القادة الديمقراطيين في أفريقيا وليس رؤساء الدول