أثار الانهيار السريع للجيش الأفغاني -الذي دربه وسلحه الجيش الأميركي على مدى العقدين الماضيين- العديد من الأسئلة حول فعالية برامج وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الرامية إلى تدريب ومساعدة الجيوش الأجنبية الشريكة للولايات المتحدة.
ويرى دوغلاس لندن -الباحث في “معهد الشرق الأوسط” (The Middle East Institute)، وبلال صعب -مدير برنامج الدفاع والأمن بالمعهد نفسه- في مقال مشترك لهما -نشرته مجلة “فورين بوليسي” (Foreign Policy) الأميركية- أن إخفاق الجيش الأفغاني دليل آخر على أن برامج التعاون الأمني التي يقودها البنتاغون أكثر تكلفة وأقل فعالية من تلك التي يقودها جهاز الاستخبارات الأميركية
فقد أنفقت الولايات المتحدة -وفق المقال- أكثر من 83 مليار دولار لبناء الجيش الأفغاني لكنها فوجئت بانهياره في غضون 11 يوما أمام هجوم مقاتلي طالبان الذي أطلقته الحركة بعد إعلان الانسحاب العسكري الأميركي من أفغانستان.
كما أنفقت واشنطن من قبل مئات الملايين من الدولارات على القوات المسلحة اللبنانية في مطلع الثمانينيات ومنتصفها، ومليارات الدولارات لاحقا لبناء جيوش محلية في كل من العراق وأفغانستان منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول الدامية التي استهدفت مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى البنتاغون في واشنطن، فقط لترى تلك القوات تنهار في مواجهة من تعتبرهم الولايات المتحدة أعداء لها.
والحقيقة -كما يقول الكاتبان- هي أن هذه الجيوش المحلية تتألف من جنود أُمروا بمواجهة قوى معارضة تنتمي إلى مجتمعاتهم المحلية في بعض الحالات، أو طلب منهم التضحية بحياتهم في صراعات لا تعني لهم شيئا ولا لعائلاتهم وعشائرهم، وغالبا ما كان يقودهم ضباط لا يدينون لهم بالولاء ولا تربطهم بهم أي صلة باستثناء الزي العسكري الموحد.
أين الخلل؟
ويسلط المقال الضوء على أوجه الخلل في المقاربات العسكرية للولايات المتحدة التي أدت لفشلها، فيقول إن الخطط العسكرية الأميركية تميل لافتراض أن تلك الجيوش قوة متكاملة يكون فيها المقاتلون موالين للحكومة المركزية والضباط الذين يخدمون تحت إمرتهم، بغض النظر عن الأعراق والأديان والعشائر التي ينتمي إليها قادتهم.
كما توضع الترتيبات المتعلقة بالمعارك والخطط الإستراتيجية والتكتيكات العسكرية لتلك الجيوش وفقا للقوة العسكرية والمعايير الأميركية، بدلا من وضعها بما يتماشى مع الواقع الثقافي والتاريخي والجغرافي والتعليمي المحلي.
ثم تشرع واشنطن بعد ذلك -والكلام للكاتبين- في تسليح تلك القوات بأسلحة معقدة للغاية ومكلفة بهدف استخدامها، وغالبا ما تكون تلك الأسلحة غير مناسبة لتضاريس البلد أو تكتيكات العدو. ومن أمثلة ذلك “مركبات برادلي القتالية” (Bradley Fighting Vehicles) التي أمدت بها الولايات المتحدة الجيش اللبناني وطائرات “إم دي 530 المروحية” (MD 530 helicopters) التي زودت بها واشنطن الجيش الأفغاني.
وبالإضافة إلى النقاط المذكورة آنفا، لا توجد في كثير من الأحيان سبل لقياس مدى فعالية تلك القوات ومراقبة الفساد.
وفي المقابل، يرى الكاتبان أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي إيه” (CIA) تمكنت من فهم مبدأين أساسيين متعلقين بعمليات التدريب السري ومهام الدعم؛ هما أهمية الانطلاق من السياسة المحلية للبلد المعني، وحقيقة أن الناس يقاتلون من أجل أسرهم ومعتقداتهم ومن أجل البقاء.
كما أدرك جهاز الاستخبارات أن الالتزامات تجاه المجتمع والدين بالنسبة لكثيرين تتفوق على الولاء للرايات والأقسام التي يؤدونها على حماية دساتير جديدة لحكومات مصطنعة صادق عليها غرباء بعيدون لا يدين لهم جنود تلك الجيوش بولاء شخصي أو مجتمعي.
وانطلاقا من كل ما سبق، يضع جهاز الاستخبارات الأميركية خطط التدريب والدعم وفقا لما يناسب كل بلد ولا يعتمد على الخطط والحلول الجاهزة.
ويقول الكاتبان إن ثقافة وكالة الاستخبارات الأميركية التي تركز على الناس والعلاقات تعد ضمن عوامل نجاحها في هذا المجال، لكن العامل الأهم والمحوري في نجاح الـ”سي آي إيه” هو قدرتها على تنظيم الوحدات الموالية لها في صفوف المجموعات القبلية والعرقية والعشائرية وفق المقال.