في مطلع فبراير/شباط من العام الجاري، تمكن متسلل مجهول أو فريق من المتسللين من الوصول عن بعد إلى البرنامج الذي يدير إمدادات المياه في مدينة أولدسمار (Oldsmar) بولاية فلوريدا، وحاولوا ضخ كميات هائلة من مادة منظفة في تلك المياه التي تديرها البلدية، مما كان سيتسبب في تسميم آلاف السكان على نحو مميت.
لكن الحظ لعب دورا كبيرا في إحباط العملية، حيث لاحظ مهندس في إدارة المياه بالصدفة أن مؤشر الفأرة في جهاز الكمبيوتر الذي يستخدمه يتحرك عبر الشاشة من تلقاء نفسه، فاتخذ إجراء سريعا أفشل عملية التسلل وتم بذلك تفادي وقوع كارثة.
بهذه الحادثة استهل الكاتب الصحفي الأميركي بريان كلاس مقالا له في صحيفة “واشنطن بوست” (Washington Post)، سلط فيه الضوء على مخاطر ما أصبح يعرف بـ”إنترنت الأشياء” في ظل سهولة اختراق شبكة الإنترنت وانتشار عمليات القرصنة في الولايات المتحدة وحول العالم.
وأوضح الكاتب أن الهجوم الذي تم إحباطه لم يكن صدفة على الأرجح، إذ تقع أولدسمار قرب مدينة تامبا السياحية، حيث كان يقام حفل كبير خلال الأسبوع الذي جرت فيه عملية الاختراق. ونظرا لأن الاختراق لم يسفر عن إصابة أي أحد بأذى، فقد كان خبرا عابرا في وسائل الإعلام ولم يسمع عنه سوى قلة من الناس، لكن الكاتب يرى أنه كان ينبغي أن يتم التعامل معه بصفته جرس إنذار مهم.
“قنبلة موقوتة“
وحذر الكاتب، الذي يعمل أستاذا للسياسة الدولية في جامعة “لندن كوليدج” (University College London)، من أن هناك قنبلة موقوتة سمح الأميركيون بإدخالها إلى حياتهم اليومية وهي ما يسمى بـ”إنترنت الأشياء”، إذ بمقتضاها يتم ربط وتشغيل أشياء عديدة كليا عن طريق الشبكة العنكبوتية من إمدادات المياه إلى المكيفات والأجهزة التي تنظم الحرارة، وحتى غلايات الشاي المزودة بتقنية مرتبطة بالإنترنت بعد أن كانت تلك الأشياء كلها في السابق تعمل من دون الإنترنت.
وقال إن “إنترنت الأشياء” عالم ما زال يفتقر للتنظيم والرقابة إلى حد كبير، ولذلك يمكن أن يتسبب بسهولة في كارثة كبرى إذا لم تولِ الحكومة مزيدا من الاهتمام بهذا التهديد الأمني الخطير.
ونقل الكاتب عن الخبير في الأمن السيبراني كين مونرو القول إن هناك تساهلا شديدا في تأمين الأجهزة والأشياء المختلفة المرتبطة بالإنترنت، من الدمى والألعاب إلى الحقائب المتصلة بالإنترنت، مشيرا إلى أن اختراق تلك الأجهزة غالبا ما يكون “سهلا، ولا يتطلب أي مهارة فنية على الإطلاق”، أي أن تلك الأجهزة لا تتمتع بأي مستوى من الأمان، حيث تصمم تلك المنتجات للاتصال بالإنترنت من دون أي تفكير بشأن كيفية تأمين الوصول إليها عبر الشبكة العنكبوتية.
وأشار إلى أن القصص المتعلقة بمخاطر تلك الثغرات الأمنية اكتسبت زخما كبيرا عندما حذر باحثون من أن قراصنة الإنترنت يمكنهم -على سبيل المثال- التحدث إلى طفل من خلال دمية متصلة بالإنترنت.
لكن مونرو، خبير الأمن السيبراني، يرى أن التهديد الأكبر للمجتمع هو عندما تتعرض الأنظمة المركزية التي تدير الأجهزة والأشياء التي تعمل عن طريق الإنترنت للاختراق.
وقال إن ذلك يسمح بشن نوع من الهجمات الإلكترونية تسمى “التجميع”، حيث يتم اختراق جميع غلايات الشاي المزودة بتقنية الارتباط بالإنترنت، على سبيل المثال، أو جميع الأجهزة الذكية التي تنظم الحرارة التابعة لنفس الشركة كالمكيفات وغيرها في الوقت نفسه.
وأوضح مونرو أنه نظرًا للطريقة التي تعمل بها شبكات الطاقة، فإن هجوما صغيرا قد يتسبب في إغلاق ذاتي لشبكة الكهرباء تنفيذا لجزء من بروتوكول الحماية الذاتية لتلك الشبكات.
وباختصار، يقول الكاتب إن جهاز تسخين الماء الذكي أو غلاية الشاي الذكية المنزلية، إذا تعرضت لهجوم متزامن ضمن أجهزة أخرى مماثلة، فقد تؤدي إلى قطع التيار الكهربائي عن مساحة كبيرة من الولايات المتحدة.
ويقول مونرو إن هذا يعني “أننا قد صنعنا أسلحة عن غير قصد في كل مكان حولنا”. ويرى الكاتب أن غلاية الشاي التي تبدو غير ضارة، قد تستخدم وسيلة لإغراق الولايات المتحدة في ظلام دامس يتسبب في قتل الناس عندما تكون مربوطة بالإنترنت.
ويخلص الكاتب إلى القول إن خبراء مكافحة الإرهاب قبل هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 كانوا قد حذروا من التهديد الذي تشكله مجموعات مثل تنظيم القاعدة، لكن تحذيراتهم تلك لم تلق آذانا صاغية. واليوم يطلق الخبراء في مجال الأمن الرقمي تحذيرات شديدة لكنها أيضا لا تلقى آذانا مصغية.
لذلك، والكلام للكاتب، من الحكمة اتخاذ إجراءات الآن لتفادي الوقوع في كارثة أخرى وتجنب تكرار الخطأ نفسه، حتى لا نجد أنفسنا مضطرين لإحياء ذكرى هجوم مدمر آخر كان يمكننا تجنبه.
الجزيرة