تساءل تقرير لمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية عما إذا كان الأداء الاقتصادي والتكنولوجي لإسرائيل وراء جذب الاهتمام الأوروبي تجاهها، أم أن المجتمع الأوروبي بدأ ينظر إليها على أنها دولة تواجه تحديات وهجمات إرهابية مماثلة.
وأشارت المجلة، في تقرير لها نشرته الخميس، أن “القتال الأخير مع الفلسطينيين كشف عن تغيير جذري في السياسة الخارجية الأوروبية تجاه إسرائيل، التي استغرق صنعها سنوات”.
والأسبوع الماضي، سمح رئيس الوزراء النمساوي سباستيان كورتس، برفع العلم الإسرائيلي فوق المباني الحكومية تضامنا مع الدولة التي واجهت هجمات صاروخية من قبل حركة حماس، على مدنها.
وقال المستشار المحافظ “أدين بأقصى درجات الحزم الهجمات ضد إسرائيل من قطاع غزة، ولإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها ضد هذه الهجمات”، فيما كان من المعروف أن كورتس، يعارض إسرائيل في السنوات القليلة الماضية.
والأربعاء، وافق المجلس الأوروبي (باستثناء المجر) على قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار، إلا أن المستشار النمساوي ليس بعيدا عن الزعماء الأوروبيين في الإعراب عن دعمهم لإسرائيل.
وبدأ في الساعة 2:00 بالتوقيت المحلي بقطاع غزة من فجر الجمعة، سريان اتفاق وقف إطلاق النار، بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية.
وأوضح التقرير أنه “منذ بداية الجولة الجديدة من العنف بين إسرائيل وحماس، كان القادة الأوروبيون صريحين في التعبير عن دعمهم لحق إسرائيل في الدفاع عن مواطنيها”.
ومثال ذلك، وصف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، صواريخ حماس، بأنها “هجمات إرهابية”، بالإضافة إلى تأكيد الطبقة السياسية الألمانية من اليسار واليمين، في خضم حملة برلمانية، دعمها لإسرائيل.
من جهته، ثمن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بهذه التصريحات الداعمة، وشكر الرئيس الأمريكي جو بايدن، وكذلك القادة الأوروبيين، وتحديدا ” الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، ومستشار النمسا، والمستشارة الألمانية، وآخرين”.
وذكرت المجلة الأمريكية أن “الحال لم يكن هكذا، حيث اشتهرت علاقات الاتحاد الأوروبي بإسرائيل بالبرودة منذ عقود، وخلال الانتفاضة الثانية، بذل الأوروبيون جهدا لموازنة احتضان إدارة جورج بوش، لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك آرييل شارون، وكان الرأي العام معاديا للتحركات الإسرائيلية في فلسطين”.
وفي استطلاع للرأي عام 2003، أثار الكثير من الجدل، وصف 59 بالمئة من الأوروبيين إسرائيل بأنها أخطر تهديد للسلام العالمي، فيما كانت الاحتجاجات والدعوات للمقاطعة شائعة، ومع ذلك، فإن المزاج يتغير، بحسب التقرير نفسه.
وأردف التقرير أن “نتنياهو عمل خلال السنوات الأخيرة بنشاط على تنمية العلاقات مع قادة أوروبا، وخاصة على الجانب غير الليبرالي، حيث اعتبرهم حلفاء طبيعيين”.
وفي السياق ذاته، لقي رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، ترحيبا حارا في القدس عام 2018، وهي الزيارة التي تعرضت لانتقادات محلية بسبب تاريخ الرجل اليميني المتطرف في مغازلة الاتجاهات المعادية للسامية والمحرقة النازية.
كما زار قادة شعبويون أوروبيون آخرون، مثل نائب رئيس الوزراء الإيطالي آنذاك ماتيو سالفيني، إسرائيل عام 2018.
وأدان المؤرخ الإسرائيلي زئيف ستيرنهيل، آنذاك، ما اعتبره رغبة نتنياهو في رؤية نفسه “كجزء لا يتجزأ من هذه الكتلة المناهضة لليبرالية”.
أسباب اللهجة الأوروبية الودية تجاه إسرائيل
وأكدت “فورين بوليسي” أن اللهجة الأوروبية الأكثر ودية تجاه إسرائيل لا يمكن تفسيرها فقط من خلال علاقة نتنياهو الوثيقة مع عدد قليل من القادة الأوروبيين غير الليبراليين مثل أوربان”.
وخلص التقرير أنه “يمكن لمزيج من الأسباب الاقتصادية، والجيوسياسية، والمحلية الأوروبية أن تفسر هذا التحول التدريجي الذي لا يمكن إنكاره”.
وتابعت المجلة: “الأوروبيون لم يغيروا موقفهم الرسمي من الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، وما زالوا يؤيدون استئناف عملية السلام، وإنهاء الاحتلال، وحل الدولتين على حدود 1967 كطريق للمضي قدما”.
كما يعتبر الاتحاد الأوروبي أهم مزود للمساعدات لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا)، والسلطة الوطنية الفلسطينية.
واستطرد التقرير أن “القضية الفلسطينية لم تعد أولوية في مجمل العلاقة، رغم أن 9 دول أوروبية تعترف بفلسطين بأنها دولة، عدا جمهوريتي التشيك والمجر، اللتين اتبعتا خطوة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل”.
وأرجعت “فورين بوليسي” ذلك في المرتبة الأولى إلى الطبيعة المتغيرة للشرق الأوسط، حيث أدى الربيع العربي عام 2010، والحرب السورية وعواقبها على أوروبا (الهجمات الإرهابية وزيادة الهجرة)، والملف النووي الإيراني إلى تغيير الأولويات في الشرق الأوسط”.
ورغم التصعيد الأخير للعدوان على قطاع غزة والضفة الغربية، فمن النادر اليوم العثور على دبلوماسي أوروبي يدعي أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو مفتاح حل جميع التوترات والصراعات في المنطقة، بحسب المصدر نفسه.
وأردف التقرير أن “العديد من الدبلوماسيين الأوروبيين اعترفوا سرا بأن اتفاقيات “إبراهيم” أضافت مسمارا آخر في نعش تركيز أوروبا على إسرائيل وفلسطين، حيث تمت، بعد الاتفاقات في العام الماضي، دعوة وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي، لحضور المجلس الأوروبي في العاصمة الألمانية برلين، وهي المرة الأولى التي يُمنح فيها هذا التكريم لدبلوماسي إسرائيلي”.
كما تطرقت المجلة إلى أن “اكتشافات الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط حفزت التعاون العميق في إطار المساعي لاستغلال الموارد بين اليونان وقبرص وإسرائيل ومصر، ضد مطالب الجارة التركية”.
وفي 18 أبريل/ نيسان الماضي، وقعت إسرائيل واليونان، صفقة دفاعية بين البلدين بقيمة 1.65 مليار دولار، بعد اجتماع بين وزراء خارجية الإمارات العربية المتحدة واليونان وقبرص وإسرائيل.
الأداء الاقتصادي والتكنولوجي لتل أبيب
بدأ الأداء الاقتصادي والتكنولوجي لإسرائيل في جذب الاهتمام الأوروبي، حيث كانت أول دولة غير أوروبية مرتبطة بسلسلة من الهيئات العلمية في الاتحاد الأوروبي، بحسب التقرير.
ومن أمثلة هذه الهيئات “البرامج الإطارية للبحث والتطوير التكنولوجي” و”المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية” (CERN) وكذلك نظام الملاحة العالمي “جاليليو”، التابعة جميعا للاتحاد الأوروبي.
وعام 2011، أعلنت فرنسا شراء طائرات بدون طيار من طراز “هيرون” بقيمة 500 مليون دولار، منتهكة بذلك الحظر المفروض على الأسلحة الإسرائيلية لمدة 44 عاما، والذي بدأه الرئيس الفرنسي آنذاك شارل ديغول بعد حرب الأيام الستة (النكسة) عام 1967.
ولفت التقرير أنه “بعد فترة وجيزة من انتخاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عام 2017، زار وزيرا الاقتصاد والشؤون الرقمية مهرجان الابتكار الإسرائيلي في تل أبيب، قبل أشهر من زيارة وزير الخارجية الفرنسي لإسرائيل.
وعلى غرار فرنسا، أبرمت ألمانيا عقدا لاستئجار طائرات إسرائيلية بدون طيار عام 2018 لمدة 9 سنوات، بقيمة 1.2 مليار دولار، بعد موافقة البرلمان، أشاد به نتنياهو باعتباره “يساهم في الأمن الأوروبي”.
وأوضحت المجلة أنه “عام 2020، كلف الاتحاد الأوروبي شركة إيرباص مع شركتي طيران وفضاء إسرائيليتين بتحليق طائرات بدون طيار فوق البحر المتوسط لمراقبة سفن تهريب المهاجرين”.
تغير المجتمعات الأوروبية تجاه إسرائيل
اعتبر التقرير أن “التغيير الرئيسي (تجاه تل أبيب) جاء من المجتمعات الأوروبية نفسها وهو ما يعد رمزا لشيء أعمق” من التغير على مستوى النظم السياسية.
فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، نظر الأوروبيون إلى إسرائيل كدولة تواجه تحديات مماثلة في مواجهة الهجمات الإرهابية.
ويتضح ذلك التقارب من تصريح أورور بيرجيه، النائبة البرلمانية عن حزب ماكرون “الجمهورية إلى الأمام” ورئيسة مجموعة الصداقة الفرنسية الإسرائيلية بأن “لدينا جبهة مشتركة مع إسرائيل: النضال ضد الإرهاب الإسلامي”.
وأضافت بيرجيه: “أكثر من أي وقت مضى، هذا ما يقربنا وما يفسر التحول الدبلوماسي في أوروبا (تجاه إسرائيل) “، حسبما نقلت المجلة الأمريكية.
الإحساس التاريخي الأوروبي
نقل التقرير عن دامير ماروسيك، زميل بارز بمركز “المجلس الأطلسي” البحثي (واشنطن)، في مقال له بعنوان: “بين بروكسل والقدس” إن “العاصمتين جسدتا مفاهيم متنافسة لإحساس الغرب بالتاريخ ومعنى الحرب العالمية الثانية والمحرقة (الهولوكوست)”.
فبينما دعت كوارث الحرب العالمية الثانية أوروبا إلى التعاون وانتهاج الحكم التكنوقراطي، كان المصير المأساوي لليهود في أوروبا سببا في اتجاههم للتغلب على عجزهم التاريخي وبناء أمة يهودية قوية تدعمها حدود وجيش قوي.
وأشارت المجلة أن “الأوروبيين نظروا إلى نموذجهم الناجح على أنه نموذج مستقبلي لبقية العالم”، متسائلة “هل هناك مكان أفضل لتطبيق النموذج الأوروبي أكثر من المصالحة بين إسرائيل وفلسطين؟”.
وبحسب التقرير، لم تسر الأمور على هذا النحو، فقبل 15 عاما، كان مراقبون يحذرون من العزلة الدبلوماسية الإسرائيلية المتزايدة إذا فشلت في إيجاد حل دائم وسلمي للقضية الفلسطينية.
لكن هذه التنبؤات بالعزلة لم تتحقق مع أوروبا والولايات المتحدة فحسب، بل أقامت إسرائيل أيضًا شراكات جديدة مع الهند وروسيا وأفريقيا، وأصبحت تمتلك شركاء اقتصاديين ودبلوماسيين أكثر من أي وقت مضى.
ويرى التقرير أنه مع تزايد “الهجمات الإرهابية ومخاوف الهوية والهجرة وحالة السقوط الحر لأحزاب يسار الوسط مثل الحزب الاشتراكي الفرنسي أو الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، أصبح الأوروبيون يشككون في نموذجهم”.
وختاما، تساءلت المجلة الأمريكية ما إذا الإحساس التاريخي للأمة الأوروبية يميل تجاه إسرائيل في نهاية المطاف؟
ولم يصدر حتى ساعة نشر التقرير، أي تعليق من الجانب الأوروبي أو أي من الدول التي جاء ذكرها في تقرير “فورين بوليسي”.