ترك تغيير إدارة الرئيس جو بايدن مواعيد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان دوائر السياسة الخارجية داخل واشنطن في حيرة كبيرة.
وبعد أن أعلن بايدن في منتصف شهر أبريل/نيسان الماضي عن بدء انسحاب قوات بلاده في بداية مايو/أيار الجاري على أن تُستكمل عملية الانسحاب بحلول 11 سبتمبر/أيلول المقبل، أكد مسؤولون عسكريون أميركيون لصحيفة نيويورك تايمز (The New York Times) اعتزام واشنطن الانسحاب من أفغانستان مع حلفائها في حلف شمال الأطلسي “الناتو” (NATO) بين مطلع ومنتصف شهر يوليو/تموز المقبل.
وبدأت واشنطن خطوات الانسحاب من أطول حروبها في التاريخ الأميركي عقب توقيع إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب اتفاقا تاريخيا مع حركة طالبان في فبراير/شباط 2020 في العاصمة القطرية الدوحة.
ونص الاتفاق في صيغته الأصلية على سحب كل القوات الأميركية والأجنبية قبل بداية شهر مايو/أيار 2021.
أسباب ودلالات تبكير الانسحاب
لم تبرر الإدارة الأميركية سبب التبكير في مواعيد الانسحاب، في حين اعتبر بعض المعلقين ممن استطلعت الجزيرة نت آراءهم أنه لن تكون ثمة قيمة إستراتيجية لبقاء القوات هناك حتى حلول 11 سبتمبر/أيلول المقبل.
وفي حديث مع الجزيرة نت أشار آدم وينشتين، المحارب السابق في أفغانستان، وخبير الشؤون الأفغانية حاليا بمعهد كوينسي، إلى أن “التوصل إلى قرار سحب كل القوات الأميركية استغرق 20 عاما، لأن أجهزة الأمن القومي رفضت قبول أن القوات الأميركية لا يمكنها أن تسيطر على الأوضاع السياسية في دول أجنبية”.
من جهته، أشار مايكل روبين، المسؤول السابق بوزارة الدفاع، وخبير السياسة الخارجية الأميركية بمعهد “أميركان إنتربرايز”، إلى “إدراك متزايد داخل الإدارة الحالية من أن اعتماد الرئيس جو بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن في وقت سابق تاريخ 11 سبتمبر/أيلول كموعد لاستكمال الانسحاب من شأنه أن يلحق ضررا كبيرا بأميركا، ويعزز النصر الرمزي لطالبان”.
وذكر روبين في حديثه للجزيرة نت أن “التعجيل بالانسحاب هو وسيلة للإدارة لتجنب إضفاء ذكرى انتصار مزدوجة كان ليحتفل بها تنظيم القاعدة، والمتعاطفون معه دون إجبار بايدن وبلينكن على الاعتراف بأنهما كانا مخطئين”.
مخاطر وتداعيات التبكير بالانسحاب
قبل شهرين، جاء في وثيقة الدليل الإستراتيجي المؤقت للأمن القومي التي نشرها البيت الأبيض في بداية مارس/آذار الماضي أن الولايات المتحدة “لا ينبغي أن تنخرط، ولن تشارك، في حروب إلى الأبد، كلفت آلاف الأرواح وتريليونات الدولارات. وسنعمل على إنهاء أطول حرب تشنها أميركا في أفغانستان على نحو مسؤول، مع ضمان ألا تصبح أفغانستان مرة أخرى ملاذا آمنا للهجمات الإرهابية ضد الولايات المتحدة”.
وعن مخاطر التبكير بالانسحاب، أشار روبين إلى أن “تكلفة الانسحاب ما تزال كما هي، فحركة طالبان ورعاتها الإقليميون في باكستان يمكنهم عن حق أن يزعموا انتصارهم على قوة عظمى”.
على النقيض، يرى وينشتين أن “الانسحاب ينطوي على مخاطر لكن هذه المخاطر تفوقها السلبيات التي لا يمكن إنكارها في استمرار بقاء قواتنا داخل أفغانستان، في نزاع لا حل عسكريا له”.
وتقول واشنطن إنها كانت تهدف إلى القضاء على تنظيم القاعدة، وإنها حققت ذلك إلى حد كبير، كما أنها أدركت بعد كل هذه السنوات من الحرب أن حركة طالبان جزء من المجتمع الأفغاني لا يمكنها القضاء عليها عسكريا. وأشارت تقارير صحفية إلى أن واشنطن تبحث عن مناطق جديدة لتمركز بعض قواتها بعد الانسحاب من أفغانستان.
وذكر المقاتل السابق في أفغانستان أن “باكستان قد استضافت علنا وسرا قوات أميركية في الماضي، وقد تسمح مصالح إسلام أباد مع واشنطن بخصوص مكافحة الإرهاب لقوات أميركية محدودة بالعمل من داخل باكستان، في الوقت ذاته، تستطلع واشنطن إمكانية السماح لبعض قواتها بالتمركز في دول آسيا الوسطى”.
في حين أكد روبين أن “المشكلة الكبرى التي واجهتها الولايات المتحدة هي عدم وجود إستراتيجية حقيقية لوقف اللعبة المزدوجة لباكستان المتمثلة في السعي للحصول على مقابل باعتبارها حليفا، في الوقت الذي تمول فيه حركة طالبان”.
التمركز في دول مجاورة لأفغانستان
وأنكر روبين احتمالات إعادة تمركز القوات الأميركية في الدول المجاورة لأفغانستان، وقال “لنتأمل البلدان المجاورة: إيران بالتأكيد لا يمكن أن تفعل ذلك. ولن تسمح باكستان إلا لحفنة من رجال الاستخبارات المتخصصين بالعمل من داخل السفارة أو القنصليات الأميركية فيها”.
وأضاف “في الوقت نفسه، ضغطت روسيا بالفعل على دول آسيا الوسطى لترفض السماح بتمركز قوات أميركية فيها عقب الانسحاب من أفغانستان، وذلك على الرغم من انتشار الشائعات حول تمركز قوات أميركية في المنطقة، ولكن في الواقع، ستكون القوات الأميركية أبعد من ذلك، سواء على السفن أو في قواعد في الشرق الأوسط، مثل قاعدة العديد الجوية في قطر أو معسكر أرفيجان في الكويت”.
ولم يدعم واينشتين الرأي القائل بأن انسحاب القوات الأميركية ستعقبه سيطرة طالبان على كل الأراضي الأفغانية، واعتبر أن “طالبان قد تعتقد خطأ أن لديها ميزة عسكرية تحسم بها القتال، لكن الواقع ما سيسود وسيكون حربا أهلية ليست في مصلحة أي طرف”.
في حين اعتبر خبير السياسة الخارجية الأميركية بمعهد أميركان إنتربرايز، أن بلاده قد “حققت هدفها الأساسي من الوجود في أفغانستان وهو حرمان الإرهابيين من التخطيط من داخل أفغانستان لشن هجمات إرهابية ضد الولايات المتحدة، وفي ذلك كنا ناجحين”.
كذلك اعتبر روبين أن “توقيت الانسحاب أقل أهمية من انسحاب الولايات المتحدة نفسه وبالكامل، ودون قيد أو شرط، وهو ما يضمن لطالبان أن تعلن انتصارها”.
الجزيرة